حزبه في ورطه.. الحُكم بسجن عمران خان 14 عاماً بعد يوم من سجنه لـ10 أعوام

سياسة | 31 يناير 2024 11:15 م

السياسة خيط رفيع، قد تهوي بصاحبها إلى وادٍ سحيق، وهو الحظ العاثر الذي حالف رئيس الوزراء الباكستاني وزعيم حزب "حركة انصاف" عمران خان، بعد أن تورط بقضايا فساد، وصدر بحقه حكمين في يومين متتاليين.

حشد نت - تقرير:

السياسة، خيط رفيع، قد تهوي بصحابها إلى وادٍ سحيق، وهو الحظ العاثر الذي حالف رئيس الوزراء الباكستاني وزعيم حزب "حركة انصاف" عمران خان، بعد أن تورط بقضايا فساد، وصدر بحقه حكمين في يومين متتاليين.

قضت محكمة باكستانية بالسجن 14 عاماً على رئيس وزراء باكستان السابق عمران خان، وزوجته بشرى بيبي، يوم الأربعاء، وهو الحكم الثاني على خان وزوجته بعد يوم واحد من الحكم بسجنه 10 سنوات.

ويأتي الحكمان قبل أسبوع واحد فقط من الانتخابات العامة في الدولة الواقعة في جنوب آسيا، والتي مُنع خان من الترشح فيها.

جاءت الأحكام الأخيرة على خان، الذي أطاح به خصومه من منصب رئيس الوزراء عام 2022، وهو يقضي بالفعل عقوبة السجن لثلاث سنوات بتهمة الفساد.

وقال لاعب الكريكت السابق، إنّ العديد من القضايا المرفوعة ضده لها دوافع سياسية.

وتمحورت قضية الأربعاء أمام المحكمة حول اتهاماتٍ بشأن هدايا من حق الدولة، تلقّاها هو وزوجته أثناء توليهما منصبيهما.

أما الحكم الذي صدر ضده الثلاثاء بالسجن 10 سنوات، فكان بسبب إدانته بتهمة تسريب وثائق حكومية سرية. ويُعتقد أنّه سوف ينفّذ العقوبتين بشكلٍ متزامن، على الرغم من عدم تأكيد ذلك.

كما أمرت المحكمة الزوجين بدفع غرامة قدرها حوالي 1.5 مليار روبية (5.3 مليون دولار).

وقال حزب خان "حركة إنصاف" الباكستاني (PTI)، إنّ الحُكم يمنع زعيمهم من العمل السياسي في المستقبل، وسوف يستبعده لعشر سنوات من تولي منصب عام.

وقال محامو خان إنّهم سيقدمون استئنافا أمام المحكمة العليا الباكستانية في كلتا الحالتين.

واعتُقل رئيس الوزراء السابق ونجم الكريكيت الدولي منذ أغسطس/آب الماضي، حيث قضى معظم فترة حكمه في سجن أديالا في روالبندي.

ونُقلت زوجته بشرى بيبي، التي كانت في الحبس الاحتياطي، إلى السجن الأربعاء، وكانت بيبي عادةً بعيدةً عن الأنظار خلال فترة وجود زوجها في المنصب. وتزوج الاثنان في عام 2018، قبل أشهر من انتخاب خان رئيسا للوزراء.

ونفى كلاهما بشدة الاتهامات التي وجهتها لهما هيئة مكافحة الفساد الباكستانية بأنّهما باعا أو احتفظا بهدايا الدولة التي حصلا عليها في منصبهما لتحقيق مكاسب شخصية. وشملت هذه الهدايا مجموعة مجوهرات من ولي عهد المملكة العربية السعودية، محمد بن سلمان.

ووصف حزب خان القضايا المرفوعة ضدّه بأنّها ملفقة، وقال إنّ المحاكمات جرت تحت الإكراه في "محاكم الكنغر"، حيث تم تسريع الإجراءات.

وأكد على أنّ الحكم الصادر الأربعاء يُبشّر "بيوم حزين آخر في تاريخ نظامنا القضائي"، مشيراً إلى أنّ القضاء "يجري تفكيكه".

وزعم الحزب أنّ إجراءات المحاكمة لم يتم فيها "أيّ استجواب متبادل، أو التوصل إلى حجة نهائية لإصدار الحكم، ويظهر القرار وكأنه عملية محددة مسبقًا".

وقال محامو خان أيضاً إنّه لم يحصل على فرصة للدفاع عن نفسه في المحاكمة التي حدثت بسرعة أكبر من المتوقع. وقال صحفيون في المحاكمة إنّ القاضي قرأ أيضاً الأحكام بينما لم يكن خان أو زوجته بيبي أو فريقهما القانوني في قاعة المحكمة.

وصرّحت عليما خان، شقيقة عمران خان لبي بي سي من خارج سجن أديالا، بأنّ هناك ارتباكاً بشأن الوقت الذي كان من المفترض أن تبدأ فيه القضية.

ولم يعلق خان رسمياً بعد على الحكم الصادر الأربعاء. وكان قد انتقد الحكم الصادر الثلاثاء، حين أدانه القاضي بالكشف عن وثيقة سرية والإضرار بالعلاقات الدبلوماسية.

الانتقام بالتصويت

وبعد صدور الحكم، طلب خان من أتباعه في بيان على منصة إكس (تويتر سابقا) "الانتقام من كل ظلم في صناديق الاقتراع والتصويت في انتخابات 8 فبراير/شباط، مع التزامكم السلمي".

وحتى قبل صدور هذه الأحكام، كان الكثيرون يشككون مسبقاً في مصداقية الانتخابات التي ستجرى الخميس المقبل، بالنظر إلى مدى تهميش خان وحزبه.

وتنفي السلطات قيامها بحملة قمع لحزب حركة إنصاف، لكنّ العديد من قادتها يقبعون الآن خلف القضبان أو انشقوا أو هربوا، فيما يتنافس مرشحوها كمستقلين.

واعتقل الآلاف من أنصار الحزب بعد احتجاجات، كانت عنيفة في بعض الأحيان، عندما اعتقل خان في مايو/ أيار الماضي.

كما جُرّد الحزب من رمزه وهو مضرب الكريكيت، وهو رمز مهم في بلدٍ تنخفض فيه معدلات معرفة القراءة والكتابة للسماح للناخبين باختيار مكان التصويت على أوراق اقتراعهم.

أسباب حكم الثلاثاء

قال ناطق باسم "حركة إنصاف" لوكالة فرانس برس الثلاثاء، "حُكم على كلّ من رئيس الوزراء السابق عمران خان ونائب رئيس (حزب حركة إنصاف) شاه محمود قرشي بالسجن عشرة أعوام في هذه القضية".

وتتمحور القضية حول كيفية تعامل الرجلين مع برقية أرسلها سفير باكستان لدى الولايات المتحدة، جاء فيها وفق خان أنّ واشنطن كانت متواطئة في مؤامرة لطرده من منصبه في العام 2022. ونفت الولايات المتحدة والجيش الباكستاني هذا الاتهام.

وكان قد وُجّه الاتهام إلى عمران خان في أكتوبر/تشرين الأول بموجب قانون الأسرار الرسمية الذي يعود تاريخه إلى الحقبة الاستعمارية. وعقدت المحاكمة في سجن أديالا بحضور محاميه وبعض أقاربه وعدد قليل من الصحافيين فقط.

وندد حزبه بأنّ هناك "عدالة زائفة بدون وصول الصحافة والجمهور" وأعلن عزمه استئناف الحكم.

وقال توصيف أحمد خان، الناشط الحقوقي والمحلل السياسي "إنّها مهزلة للعدالة، وعلى ما يبدو، المقصود منها منعه من الحصول على أغلبية في البرلمان، لكنّ شعبيته سترتفع لأن عدد أنصاره سيزداد بعد هذا الظلم الكبير".

ويتمتع عمران خان، نجم الكريكت السابق الذي وصل إلى السلطة عام 2018 وأُقيل بموجب مذكرة لحجب الثقة عنه في أبريل/نيسان 2022، بدعمٍ شعبيٍ هائل في باكستان.

لكنّ حملة التحدي التي قام بها ضد المؤسسة العسكرية القوية أعقبها رد فعل عنيف.

وتنظّم الدولة الواقعة في جنوب آسيا والتي يتخطى عدد سكانها 240 مليون نسمة انتخابات عامة في الثامن من فبراير/شباط، لكنّ منظمات حقوقية تشكك في مصداقيتها على خلفية الحملة ضد حزب خان.

ورُفض ترشيح خان ومعظم قادة حزبه للانتخابات، ومنع الحزب من تنظيم مسيرات، وقُيّدت وسائل الإعلام الخاضعة لرقابة شديدة في تغطيتها للمعارضة، ما دفع بحملة الحزب الانتخابية بأكملها تقريبًا إلى الانتقال إلى الإنترنت.

ويعتبر حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية بزعامة رئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي شغل منصب رئيس الحكومة ثلاث مرات بدون أن يكمل أيّاً من ولاياته، الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات.

وقد عاد نواز شريف إلى باكستان في أكتوبر/ تشرين الأول، بعد أربع سنوات من المنفى في لندن، وقال بعض المحللين السياسيين أنّه وقع اتفاقاً مع الجيش، والذي كان يتهمه حتى فترة قريبة بأنّه أقاله من السلطة عام 2017 لتشجيع فوز عمران خان في الانتخابات بعد سنة.

وكانت المحكمة العليا الباكستانية قد أمرت بالإفراج الفوري عن رئيس الوزراء السابق عمران خان، وأعلن قضاة المحكمة في 11 مايو/أيار 2023 أنّ الشرطة تصرفت بشكل غير قانوني باعتقال خان في التاسع من مايو/ أيار فيما يتعلق بقضية فساد.

وأثار اعتقال خان موجة احتجاجات في جميع أنحاء البلاد، وقتل 10 أشخاص على الأقل في اشتباكات ومواجهات بين أنصاره والشرطة، وكثّف الجيش من انتشاره في عدة أماكن في محاولة للسيطرة على الحشود الغاضبة.

ويواجه خان عشرات التهم، من الفساد إلى الفتنة، منذ الإطاحة به بعد خسارته في تصويت على الثقة أمام البرلمان العام الماضي.

لماذا اعتُقل؟

تقول الحكومة الباكستانية إنه احتُجز بسبب عدم تعاونه مع السلطات في التحقيق في شبهة فساد تدور حوله.

ويُزعم أنه أثناء توليه رئاسة الوزراء، حصل على قطعة أرض قيمتها ملايين الدولارات كرشوة مقابل خدمات سياسية.

واعتمد قرار الحكومة الباكستانية على تحقيق أجرته الوكالة الوطنية البريطانية حول أكبر قطب عقارات باكستاني يدعى مالك رياض حسين متهم بـ "غسيل الأموال".

ويُزعم أن حسين أعطى الأرض إلى "صندوق قادر"، الذي أنشأته زوجة خان الثالثة، بشرى بيبي. وقال خان الذي ينفي الاتهامات، إن الأرض تم التبرع بها لأغراض خيرية.

ونفى حسين تورطه في غسيل الأموال. لكن موقفه من رواية أنه تبرع بالأرض مقابل خدمات غير معروف.

وكان حسين قد مثل أمام محققي مكتب المحاسبة والمساءلة الوطني الباكستاني في وقت سابق من هذا العام وتقدم ببيان حول قضية "صندوق قادر"، لكن لم يعلن عنه في وسائل الإعلام.

من هو عمران خان؟

عمران خان نجم كريكيت دولي سابق انتخب رئيسا لوزراء باكستان في 2018 بعد أن تعهد بمكافحة الفساد وإصلاح الاقتصاد.

لكن تلك التعهدات لم يتم الوفاء بها، وعانت ثاني أكبر دولة إسلامية في العالم من أزمة مالية.

وقد أدت سلسلة من الانشقاقات في أواخر مارس/آذار الماضي إلى حرمانه من الأغلبية البرلمانية، ولم يفلت من اقتراح المعارضة لحجب الثقة عنه.

وقالت تقارير إنه لم يحظ بقبول لدى المؤسسة العسكرية القوية، ويُعد الجيش لاعبا مهما وراء الكواليس في باكستان التي تمتلك سلاحا نوويا.

بالعودة إلى عام 2018، كان خان قد رسم رؤية لـ "باكستان الجديدة" عندما وصل إلى السلطة.

فقد تحدث نجم الكريكت السابق، الذي يصنف نفسه الآن على أنه مصلح تقي لمكافحة الفقر، عن حلمه في بناء "دولة الرفاهية الإسلامية" حيث يتم تقاسم الثروة. وقدم وعودا طموحة شملت إصلاح النظام الضريبي في البلاد ومكافحة البيروقراطية.

وبدلا من ذلك، ارتفع التضخم وانخفضت قيمة العملة الباكستانية "الروبية" وأصبحت البلاد مشلولة بسبب الديون، مما أثار الغضب والانتقاد بأن خان قد أساء التعامل مع الاقتصاد.

وكان خان قد تعهد بعدم السعي للحصول على مساعدة من صندوق النقد الدولي (آي إم إف)، لكن انتهى به الأمر إلى التفاوض على خطة إنقاذ بقيمة 6 مليارات دولار لمعالجة أزمة ميزان المدفوعات.

ويعد عمران خان، البالغ من العمر 70 عاما، منذ فترة طويلة أحد أشهر الوجوه الباكستانية على المستوى الدولي، وقد كافح لسنوات لتحويل الدعم الشعبي إلى مكاسب انتخابية.

وكان قد أطلق حزب حركة الإنصاف الباكستانية (بي تي آي) في عام 1996، لكن لم يظهر ذلك الحزب حتى الانتخابات العامة لعام 2013 باعتباره لاعبا مهما على المستوى الوطني. وبعد 5 سنوات، دفعته انتخابات ملحمية إلى السلطة.